سورة هود - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} تقدم في الأعراف بيانه والحمد لله {وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} بين أن خلق العرش والماء قبل خلق الأرض والسماء. قال كعب: خلق الله ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة الله تعالى، فلذلك يرتعد الماء إلى الآن وإن كان ساكنا، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها، ثم وضع العرش على الماء.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: إنه سئل عن قوله عز وجل: {وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ} فقال: على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح.
وروى البخاري عن عمران بن حصين. قال: كنت عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه قوم من بني تميم فقال: «أقبلوا البشرى بابني تميم» قالوا: بشرتنا فأعطنا مرتين فدخل ناس من أهل اليمن فقال: «أقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم» قالوا: قبلنا، جئنا لنتفقه في الدين، ولنسألك عن هذا الأمر ما كان؟ قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شي» ثم أتاني رجل فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها فإذا هي يقطع دونها السراب، وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم. قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} أي خلق ذلك ليبتلي عباده بالاعتبار والاستدلال على كمال قدرته وعلى البعث.
وقال قتادة: معنى {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} أيكم أتم عقلا.
وقال الحسن وسفيان الثوري: أيكم أزهد في الدنيا. وذكر أن عيسى عليه السلام مر برجل نائم فقال: يا نائم قم فتعبد، فقال: يا روح الله قد تعبدت، فقال وبم تعبدت؟ قال: قد تركت الدنيا لأهلها، قال: نم فقد فقت العابدين. الضحاك: أيكم أكثر شكرا. مقاتل: أيكم أتقى لله. ابن عباس: أيكم أعمل بطاعة الله عز وجل. وروي عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قال: {أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله} فجمع الأقاويل كلها، وسيأتي في الكهف هذا أيضا إن شاء الله تعالى. وقد تقدم معنى الابتلاء. {وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ} أي دللت يا محمد على البعث. {مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ} وذكرت ذلك للمشركين لقالوا: هذا سحر. وكسرت {إن} لأنها بعد القول مبتدأة. وحكى سيبويه الفتح. {لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} فتحت اللام لأنه فعل متقدم لا ضمير فيه، وبعده {لَيَقُولَنَّ} لأن فيه ضميرا. و{سِحْرٌ} أي غرور باطل، لبطلان السحر عندهم. وقرأ حمزة والكسائي {إن هذا إلا ساحر عليم} كناية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


{وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8)}
قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} اللام في {لَئِنْ} للقسم، والجواب {لَيَقُولُنَّ}. ومعنى {إِلى أُمَّةٍ} إلى أجل معدود وحين معلوم، فالأمة هنا المدة، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين. واصل الأمة الجماعة، فعبر عن الحين والسنين بالأمة لأن الأمة تكون فيها.
وقيل: هو على حذف المضاف، والمعنى إلى مجيء أمة ليس فيها من يؤمن فيستحقون الهلاك. أو إلى انقراض أمة فيها من يؤمن فلا يبقى بعد انقراضها من يؤمن. والأمة اسم مشترك يقال على ثمانية أوجه: فالأمة تكون الجماعة، كقوله تعالى: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ} [القصص: 23]. والأمة أيضا اتباع الأنبياء عليهم السلام. والأمة الرجل الجامع للخير الذي يقتدى به، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} [النحل: 120]. والأمة الدين والملة، كقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22]. والأمة الحين والزمان، كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} وكذلك قوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45] والأمة القامة، وهو طول الإنسان وارتفاعه، يقال من ذلك: فلان حسن الأمة أي القامة. والأمة الرجل المنفرد بدينه وحده لا يشركه فيه أحد، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده». والأمة الأم، يقال: هذه أمة زيد، يعني أم زيد. {لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ} يعني العذاب، وقالوا هذا إما تكذيبا للعذاب لتأخره عنهم، أو استعجالا واستهزاء، أي ما الذي يحبسه عنا. {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} قيل: هو قتل المشركين ببدر، وقتل جبريل المستهزئين على ما يأتي. {وَحاقَ بِهِمْ} أي نزل وأحاط. {ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} أي جزاء ما كانوا به يستهزئون، والمضاف محذوف.


{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)}
قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً} الإنسان اسم شائع للجنس في جميع الكفار. ويقال: إن الإنسان هنا الوليد بن المغيرة وفية نزلت.
وقيل: في عبد الله بن أبي أمية المخزومي. {رَحْمَةً} أي نعمة. {ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ} أي سلبناه إياها. {إِنَّهُ لَيَؤُسٌ} أي يائس من الرحمة. {كَفُورٌ} للنعم جاحد لها، قال ابن الأعرابي. النحاس: {لَيَؤُسٌ} من يئس ييأس، وحكى سيبويه يئس ييئس على فعل يفعل، ونظير حسب يحسب ونعم ينعم، ويأس ييئس، وبعضهم يقول: يئس ييئس، ولا يعرف في الكلام العربي إلا هذه الأربعة الأحرف من السالم جاءت على فعل يفعل، وفي واحد منها اختلاف. وهو يئس و{يئوس} على التكثير كفخور للمبالغة. قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ} أي صحة ورخاء وسعة في الرزق. {بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} أي بعد ضر وفقر وشدة. {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي} أي الخطايا التي تسوء صاحبها من الضر والفقر. {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} أي يفرح ويفخر بما ناله من السعة وينسى شكر الله عليه، يقال: رجل فاخر إذا افتخر- وفخور للمبالغة- قال يعقوب القارئ: وقرأ بعض أهل المدينة {لفرح} بضم الراء كما يقال: رجل فطن وحذر وندس. ويجوز في كلتا اللغتين الإسكان لثقل الضمة والكسرة. قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} يعني المؤمنين، مدحهم بالصبر على الشدائد. وهو في موضع نصب. قال الأخفش: هو استثناء ليس من الأول، أي لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة.
وقال الفراء هو استثناء من {وَلَئِنْ أَذَقْناهُ} أي من الإنسان، فإن الإنسان بمعنى الناس، والناس يشمل الكافر والمؤمن، فهو استثناء متصل وهو حسن. {أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} ابتداء وخبر. {وَأَجْرٌ} معطوف. {كَبِيرٌ} صفة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8